بقلم محمد امدجار
إن كل من يمتح من مقولة التحليل الملموس للواقع الملموس سيخلص في النهاية ، لا محالة ، إلى أن حل الكثير من القضايا التي تؤرق بال “المواطن” المغربي و يتجرع مرارتها بشكل يومي ، يتجلى في توحيد الصفوف و تحديد موقع كل من الضحية و الجلاد بدقة لكي يتم توجيه سهام النقد و رماح الرفض لهذا الأخير عوض مضيعة الوقت و الجهد في معاقبة ضحية توهم من كثرة اتهامه أنه جلاد فعلا ، فأضحى يدافع عن الجلاد الحقيقي الذي نجح في إبعاد نفسه عن حلبة الصراع التي لا يملؤها إلا الضحايا . في نقاش جانبي مع أحد عناصر شرطة المرور قال بأننا نحن الأساتذة نكره الشرطة و نحقد عليهم لأنهم يعنفوننا بشوارع الرباط و غيرها من المدن … ، فأجبناه بسؤال استنكاري ، و هل تظن أنكم أنتم من تعنفوننا حقا ؟ إنكم مجرد أدوات ، و كرهكم و انتقادكم هو أعلى تجليات الغباء و السذاجة ، لأن التحليل الملموس للواقع الملموس لا يسمح بانتقاد الأدوات ، فلو أمرتم ( بضم الألف ) أن تقبلوا رؤوسنا لفعلتم ذلك بدون نقاش ، فالنقاش محرم في فصلكم ، تماما كما أمرتم ( بضم الألف ) بتعنيفنا و قلتم سمعا و طاعة أيها الرئيس الذي فعل هو الآخر نفس الشيء… إن واقعنا القاتم الذي نعيشه كمغاربة هو لوحة كئيبة ليست من إمضاء الأدوات ، بل من إمضاء مستعملي الأدوات . إن توحيد الصفوف و المعارك هو ” الخطر ” الذي فهمه التحالف المخزني فأراد إجهاض أية إمكانية لولادته ، ففي التعليم مثلا ، هناك فسيفساء من الفئات التي اعتقدت كل واحدة منها أنها الأكثر تعرضا للظلم ، و أن حل مشكلتها سيجعل من التعليم روضة من رياض الجنة . قد لا يسعنا هذا المقال لسرد كل أسماء الفئات بأسمائها الطويلة العريضة ، إلا أن ما يهمنا فيها هو أنها لن تعبر بمعاركها الجزئية بالتعليم العمومي إلى بر الأمان ، كما لن تعبر به النقابات بطريقة اشتغالها الحالية و تعاطي نساء و رجال التعليم معها ، لذلك وجب إعادة التفكير في وضعنا المهني و التنظيمي و في سياقنا السياسي و الاقتصادي و الثقافي ، و تحليل واقعنا بموضوعية و الحرص على النقد الذاتي لاختياراتنا و آليات اشتغالنا ، و مراجعة السقف الذي نسعى إلى بلوغه بمعاركنا التي نضحي فيها بالكثير و لا نحصل إلا على الفتات ( حتى لا نقول على لا شيء ) . قد لا نمتلك إجابات كافية وافية الآن ، إلا أنها دعوة إلى التفكير في ما اعتبرناه منطلقا لا يطاله النقد ، فقد لا يكون الحل هناك حيث نترجاه ، بل قد لا يكون إلا بأيدينا و بالقرب من أقدامنا حيث نرفض النظر . صحيح أن المطالب تنتزع و لا تعطى ، و لكن بشرط أن نعرف من أين يجب انتزاعها وكيفية انتزاعها ، بل إن المضحك المبكي في الأمر هو أنه يجب أن نعرف مطالبنا أولا قبل السعي إلى تحصيلها ، فهناك من رضي بالذل و المهانة ، و هناك من لا يعرف أنه مظلوم أصلا ، و هناك من يقول أنا و من بعدي الطوفان ، و هناك من لا يعرف إلى أية فئة ينتمي ، و هناك من ينتقد الجميع و يجرم الجميع في المقاهي ، و يحرص على انتقاء عبارات رنانة في استغباء الجميع آخذا سيجارته بيد و قهوته السوداء بيد أخرى و هو يتوهم نفسه في علياء لا تبلغها الخطيئة . التعليم جهاز فتاك من الأجهزة الإيديولوجية للدولة ( بلغة ألتوسير ) لذلك ستحرص بكل ما أوتيت من قوة أن لا يكون مجالا للعدالة و الديموقراطية ، بل مجالا للمصلحة الخاصة و الجزئية ، لذلك لا يجب أن نعتقد أننا بانتقاد هذه التنسيقية أو هذه النقابة قد فضحنا الأمر ، لأن الحقيقة تتجاوز كل ذلك ، و كما يقال فنصف الحقيقة كذب . إننا اليوم مدعوون أكثر من ذي قبل إلى فتح المجال لنقاش حر و صادق و مسؤول و منتج متصل بالواقع ومنفصل عن القبعات التي تجعلنا نحكم على الشخص قبل أن ينبس بكلمة .